ما رأيك في محتويات المدونة؟؟؟

الجمعة، 4 مارس 2011

نحو حضارة إسلامية

نحو حضارة إسلامية
إن الحضارة منظومة متكاملة، فكل حضارة لها هوية فكرية وفلسفة للحياة ينبثق عنها نظام متكامل. إن بناء الحضارة بعيدا عن عقيدتنا وقيم ديننا محكوم عليها بالفشل والفناء، فإذا تقدم الإنسان في سائر العلوم والفنون ولكنه لا يعلم حقيقة نفسه ولماذا خلق فقد يكسب الكثير في الجانب المادي ولكنه يخسر نفسه ويدمرها ويدمر معها حضارته، لهذا تنبأ فلاسفة الغرب بسقوط حضارتهم لأنها اهتمت بالجانب المادي على حساب الروح. في الكتاب الشهير (الإنسان ذلك المجهول) نادى العالم الأمريكي الكسيس كارليل في العالم المعاصر بأنه يجهل ذات الإنسان، الذي تصنع الحضارة كلها من أجله. وقال كولن ويلسون: لا تستطيع الحضارة أن تستمر في وضعيتها العمياء، منتجة  ثلاجات أفضل وشاشات أوسع للسينما, مجردة البشر دائما من كل معنى للحياة الروحية (سقوط الحضارة ص397)
فالغرب اليوم متقدم ماديا ومدنيا ولكنه يعيش فقرا روحياً أودى بداخل الإنسان إلى الهلاك والدمار. فالقلب خلق لمعرفة الله والتلذذ بقربه ومحبته فإذا فقد القلب الوظيفة التي خلق لها حل به قلق وألم واضطراب، شأنه شأن أي عضو لا يقوم بوظيفته، ولا سبيل له إلى الطمأنينة والسعادة ولو نال من الدنيا وأسبابها وعلومها ما نال، إلا بأن يكون الله وحده هو محبوبه ومعبوده وملجأه ومفزعه.
إن الباحثين في نشوء الحضارات يرون ضرورة وجود غايات عليا للمجتمع تهيمن على سلوكه ودوافعه، فتحويل الدوافع المنحطة إلى دوافع عليا تقدم مصالح الأمة على مصالح الذات هي التي تميز مرحلة بناء الحضارة. فاستعادة الحضارة تحتاج إلى مرحلة بناء عقيدة تجعل العبد يحب الله ويؤثر رضاه ومراده على هوى النفس وشهواتها، وتجعله يربط عقيدته ببناء أمته ونهضتها فيؤثر ذلك على رغباته ونزواته، وبهذا يعيش من أجل دوافع عليا تهيمن على سلوكه.
يرى مالك بن نبي أن الفرد في المجتمع المنحط "مجتمع ما قبل الحضارة" لا يبحث في جدالاته عن الحقيقة، بل يبحث عن حجج يفحم بها خصمه، أما الحوار الحضاري فله غاية عظمى وهو يشبه حوار مهندسين وعمال في ورشة يواجهون مشكلة عملية ويرغبون بإخلاص في إيجاد أحسن حل لها، فيتحاورون لإيجاد الحل وليس لإثبات مهارات الذات. والمراقب لحوارات العرب يجد أن كل طرف ينفعل ولا يريد أن يستمع إلى الآخر فضلا عن أن يفهم وجهة نظره ليرد عليها، وهذا يشير إلى فساد القلوب والجهل بديننا الحضاري. قال تعالى "قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم" فعلى المسلم أن يحسن الظن بنوايا الآخر ويحترم وجهة نظره ولا يحتقرها، فكفى بالمرء إثما أن يحقر أخاه المسلم. وعليه أن يخلص نيته ويبحث في الأدلة المعارضة له قبل أن يحرص على إيصال فكرته فربما كان الحق مع غيره.
أما السلوك الحضاري فهو الذي يراعي حقوق الآخرين، وقد كفل الإسلام حقوق الآخر إلى أبعد الحدود حتى في غيبته. وفي الحج مثلا يستحب تقبيل الحجر الأسود إلا إذا كان الوصول إليه فيه إيذاء للمسلمين، فإيذاء المسلمين بدنيا أو نفسيا حتى لأداء العبادة فهو حرام. كما أن التوبة من الذنوب التي في حق الله تكفر الذنب، أما الذنوب التي فيها ضياع حقوق الآخرين فتؤخذ من حسنات العبد يوم القيامة على قدر المظلمة وتعطى للمظلوم. فالسلوك في الإسلام حضاري والحوار حضاري.
إننا في أشد الحاجة في هذه المرحلة لاكتساب السلوك الحضاري حتى تتآلف القلوب، واكتساب الحوار الحضاري لتوحيد رؤيتنا لملامح وواجبات وتحديات المرحلة المقبلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق